القائمة الرئيسية

الصفحات

ملازمت عمر ابن الخطاب لرسول الله فتح مكة



4- فتح مكة وغزوة حنين وتبوك:


لما
نقضت قريش صلح الحديبية بغدرها، خشيت من الخطر القادم من المدينة، فأرسلت أبا سفيان
ليشد العقد ويزيد في المدة، فقدم على رسول الله فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي
سفيان ولكن بدون جدوى، وخرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم يردّ عليه شيئاً، ثم ذهب
إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فكلمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذر
لجاهدتكم به[64]،
وعندما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي
بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم فيه بنبأ تحرك النبي صلى الله عليه وسلم إليهم،
ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي على هذه
الرسالة، فقضى صلى الله عليه وسلم على هذه المحاولة في مهدها، فأرسل النبي صلى الله
عليه وسلم علياً والمقداد فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد اثني عشر ميلاً من
المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم ثم استدعي حاطب رضي الله
عنه للتحقيق فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش
-يقول- كنت حليفا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون
بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون
قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله، دعني اضرب عنق هذا
المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على
من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم[65]
ومن الحوار الذي تم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعُمر بن الخطاب في شأن حاطب
يمكن أن نستخرج بعض الدروس والعبر منها.


-
حكم
الجاسوس القتل، فقد أخبر عمر بذلك ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن
منع من إيقاع العقوبة بسبب كونه بدرياً.


-  
شدة
عمر في الدين: لقد ظهرت هذه الشدة في الدين حينما طالب بضرب عنق
حاطب.


-
الكبيرة لا تسلب الإيمان: إن ما ارتكبه حاطب كبيرة وهي التجسس ومع هذا
ظل مؤمنا.


-
لقد
أطلق عمر على حاطب صفة النفاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصطلاحي في عهده صلى
الله عليه وسلم. إذ النفاق إبطان الكفر والتظاهر بالإسلام، وإنما الذي أراده عمر،
إنه أبطن خلاف ما أظهر إذ أرسل كتابه الذي يتنافى مع الإيمان الذي خرج يُجاهد من
أجله ويبذل دمه في سبيله[66].


-
تأثر عمر من رد الرسول صلى الله عليه وسلم فتحول في لحظات من رجل غاضب
ينادي بإجراء العقوبة الكبيرة على حاطب إلى رجل يبكي من الخشية والتأثر ويقول: الله
ورسوله أعلم، ذلك لأن غضبه كان لله ورسوله فلما تبين له أن الذي يرضي الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم غير ما كان يراه غض النظر عن ذلك الخطأ ومعاملة صاحبه
بالحسنى تقديراً لرصيده في الجهاد واستجاب[67].


وعندما
نزل رسول الله بمر الظهران وخشي أبو سفيان على نفسه وعرض عليه العباس عمّ رسول الله
طلب الأمان من رسول الله فوافق على ذلك يقول العباس بن عبد المطلب قلت: ويحك يا أبا
سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله، قال فما
الحيلة؟ فداك أبي وأمي، قال: قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه
البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئت به،
كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عم رسول الله على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن
الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إليّ فلما رأى
أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو
سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول
الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن
الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد
أجرته، فلما أكثر عمر من شأنه قلت: مهلاً يا عمر، فوالله أن لو كان من بني عدي ما
قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، فوالله
لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن
إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:
إذهب به ياعباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به[68]،
فهذا موقف عمر –رضى الله عنه- وهو يرى عدو الله يمر بقوات المسلمين، محتمياً بظهر
العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد بدا ذليلاً خائفاً، فيود عمر –رضي الله
عنه- أن يضرب عنق عدو الله قربى إلى الله تعالى وجهاداً في سبيله، ولكن الله تعالى
قد أراد الخير بأبي سفيان فشرح صدره للإسلام، فحفظ دمه ونفسه[69].


وفي
غزوة حنين، باغت المشركون جيش المسلمين وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد،
وإنحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا
إليّ أنا رسول الله: أنا محمد بن عبد الله، فلم يسمع أحد، وحملت الإبل بعضها على
بعض، فانطلق الناس إلا أنه بقي مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته
وكان فيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن
أبي طالب،
والعباس بن عبد المطلب، وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن
الحارث وغيرهم[70]،
ويحكي أبو قتادة عن موقف عمر في هذه الغزوة فيقول: خرجنا مع رسول الله عام حنين
فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من
المسلمين، فضربته من ورائه على عاتقه[71]،
بسيف فقطعت الدرع، وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن
الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم رجعوا[72].


قال
تعالى عن هذه الغزوة:
} لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
مُدْبِرِينَ25
{ التوبة الآية: 25 فلما تاب الله تعالى على
المؤمنين بعد أن كادت الهزيمة تلحق بهم نصر الله أولياءه، بعد أن أفاؤوا إلى نبيهم
واجتمعوا حوله، فأنزل الله سكينته ونصره على جنده وقال تعالى يقص علينا
ذلك:
} ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ26
{ التوبة، آية 26.


وبعد
معركة حنين عاد المسلمون إلى المدينة وبينما هم يمرون بالجعرانة[73]،
كان رسول الله يقبض الفضة من ثوب بلال رضي الله عنه ويعطي الناس، فأتى رجل وقال
لرسول الله: يا محمد، اعدل، قال رسول الله: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت
وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله، فأقتل
هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه
يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم[74]،
يمرقون منه كما يمرق السهم[75]
من الرمية[76]،
ففي هذا الموقف منقبة عظيمة لعمر رضي الله، فهو
لا يصبر إذا انتهكت أمامه
المحارم، فقد اعتدي على مقام النبوة والرسالة، فما كان من الفاروق إن أسرع قائلاً:
دعني يا رسول الله، أقتل هذا المنافق. هذا هو رد الفاروق أمام من ينتهكون قدسية
النبوة والرسالة[77]،
وفي الجعرانة لبّى عمر رضي الله عنه رغبة يعلى بن أمية التميمي الصحابي المشهور في
رؤية رسول الله حين ينزل عليه الوحي، فعن صفوان بن يعلى، أن يعلى كان يقول: ليتني
أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل[78]
عليه قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة[79]،
وعليه ثوب قد أُظلَّ به، معه فيه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جُبَّة
متضمِّخٌ[80]،
بطيب، فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟
فأشار عمر على يعلى بيده، أن تعالَ فجاء يعلى فإذا النبي صلى الله عليه وسلم
مُحمَرُّ الوجه، يغط[81]
كذلك ساعة، ثم سُرِّي عنه قال: أين الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبّةُ
فاترعها، ثم ضع في عمرتك كما تضع في حجك[82]
وأما في غزوة تبوك فقد تصدق بنصف ماله، وأشار على رسول الله بالدعاء للناس بالبركة
عندما أصاب الناس مجاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان في غزوة تبوك[83]،
أصاب الناس مجاعة، فقالوا يا رسول الله لو أذنت فذبحنا نواضحنا[84]،
فأكلنا وادَّهنَّا، فقال لهم رسول الله: افعلوا، فجاء عمر فقال يا رسول إنهم إن
فعلوا قل الظّهر، ولكن ادعهم فليأتوا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة،
والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة، حتى اجتمع من ذلك على النطع شيء يسير، ثم دعا
صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما
تركوا في العسكر وعاءً إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول
الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك،
فيحجب عن الجنة[85].


هذه
بعض المواقف العمرية التي شاهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن
الفاروق قد استوعب الدروس والعبر والفقه الذي حدث في غزوات رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصبحت له زاداً انطلق به في ترشيد وقيادة الناس بشرع الله
تعالى.


ثانياً: من مواقفه في المجتمع المدني:


كان
عمر شديد الحرص على ملازمة رسول الله وكان رضي الله عنه إذا جلس إلى رسول الله لم
يترك المجلس حتى ينفض، فهو واحد من الجمع القليل الذي لم يترك رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يخطب حين قدمت عير إلى المدينة[86]،
وكان يجلس في حلقات ودروس ومواعظ رسول الله نشطاً يستوضح، ويستفهم، ويلقي الأسئلة
بين يدي رسول الله في الشؤون الخاصة والعامة[87]،
ولذلك فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثاً[88]،
وفي رواية: خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثاً[89]،
اتفق الشيخان في صحيحيهما على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين
ومسلم بواحد وعشرين[90]،
والبقية في كتب الأحاديث الأخرى[91]،
وقد وفقه الله إلى رواية أحاديث لها قيمتها الأولوية في حقيقة الإيمان والإسلام
والإحسان والقضاء والقدر، وفي العلم والذكر والدعاء وفي الطهارة والصلاة والجنائز،
والزكاة والصدقات، والصيام، والحج، وفي النكاح والطلاق والنسب، والفرائض، والوصايا
والاجتماع، وفي المعاملات والحدود، وفي اللباس والأطعمة والأشربة والذبائح، وفي
الأخلاق والزهد والرقاق والمناقب والفتن والقيامة، وفي الخلافة والإمارة والقضاء،
وقد أخذت هذه الأحاديث مكانها في مختلف العلوم الإسلامية، ولا تزال رافداً يمد هذه
العلوم[92]،
وإليك بعض المواقف التعليمية والتربوية والاجتماعية من حياة الفاروق مع رسول الله
في المدينة.


1- رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عمر عن
السائل:


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أخبرني عمر بن
الخطاب أنهم بينما هم جلوس – أو قعود – عند النبي صلى الله عليه وسلم، جاءه رجل
يمشي، حسن الوجه، حسن الشعر، عليه ثياب بياض، فنظر القوم بعضهم إلى بعض: ما نعرف
هذا، وما هذا بصاحب سفر. ثم قال: يا رسول الله، آتيك؟ قال: نعم. فجاء فوضع ركبتيه
عند ركبتيه، ويديه على فخذيه، فقال: ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله،
وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. قال:
فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته، والجنة والنّار، والبعث بعد الموت،
والقدر كلِّه. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعمل لله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه
يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السَّائل. قال: فما
أشراطها؟ قال: إذا العُراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان، ووَلَدت
الإماء أربابهنَّ[93].
قال: ثم قال عليَّ الرّجُلَ، فطلبوه فلم يروا شيئاً، فمكث يومين أو ثلاثة، ثم قال:
يا ابن الخطاب أتدري من السائل عن كذا وكذا؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك جبريل
جاءكم يعلمكم دينكم[94].


وهذا
الحديث يبين أن الفاروق تعلم معاني الإسلام والإيمان والإحسان بطريقة السؤال
والجواب من أفضل الملائكة وأفضل الرسل.


2- إصابة رأيه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم:


عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو
بكر وعمر، في نفر. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا
وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، وقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً[95]
للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد، فإذا ربيع[96]
يدخل في جوف حائط من بئر خارجة فاحتفزت[97]
فدخلت على رسول الله فقال أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله قال: ما شأنك؟ قلت:
كنت بين ظهرينا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقطع دوننا، ففزعنا، وكنت أول من
فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: يا أبا
هريرة – وأعطاني نعليه – اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء الحائط يشهد أن لا إله
إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة. وكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذان
النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هذان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من
لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة. فضرب عمر بين
ثديَيَّ بيده، فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأجهشت بالبكاء وركبني[98]
عمر. وإذا هو على أثري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا هريرة؟ قلت:
لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني[99]
به فضرب بين ثدييَّ ضربة فخررت لإستي، فقال: ارجع فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ فقال: يا رسول الله، أبعثت أبا هريرة بنعليك من
لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً به قلبه بَشَّرَهُ بالجنة؟ قال: نعم. قال:
فلا تفعل؛ فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فخلِّهِم[100].


3- حرص رسول الله على توحيد مصدر تلقي الصحابة:


عن
جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من
التوراة فقال: أمتهوكون[101]
يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا‌ً ما وسعه إلا اتباعي وفي
رواية: أن لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم[102].


4- رسول الله يتحدث عن بدءِ الخلق:


عن
طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم
مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ
ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه[103].
وهذا الحديث يدخل ضمن فقه القدوم على الله الذي فهمه عمر من رسول
الله.


5- نهي رسول الله عن الحلف بالآباء وحثه على التوكل على
الله:


عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله عز
وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عنها، ولا تكلمت بها ذاكراً ولا آثراً[104]،
وسمع عمر رضي الله عنه نبي الله يقول: لو أنكم توكَّلون على الله حق توكله، لرزقكم
كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً[105].


6- رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً
ورسولاً:


عن أبي
موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم
قال للناس. سلوني عمّا شئتم، قال رجل: من أبي؟ قال: أبوك حذافة فقام آخر، من أبي؟
قال: أبوك سالم مولى شيبة[106]،
فلما رأى عمر ما في وجهه، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل[107]،
وفي رواية: فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد
نبياً، فسكت[108].


7- لا ونعمةَ عينٍ بل للناس عامة:


عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال: امرأة جاءت
تبايعه فأدخلها الدولج[109]
فأصبت منها ما دون الجماع؟ فقال: ويحك لعلها مُغيبة[110]
في سبيل الله؟ ونزل القرآن:
} وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ114
{ هود،آية:114. فقال: يا رسول الله إلي خاصة أم
للناس عامة، فضرب صدره – يعني عمر – بيده، وقال: لا، ولا نعمة عين بل للناس عامة:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق عمر[111].


8- حكم العائد في صدقته:


عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه، قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فأردت أن
أبتاعه وظننت أنه بائعه برخص، فقلت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
لا تبتعه، وإن أعطاكه بدرهم، فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه[112].


9- من صدقاته ووقفه:


عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
يقال له: ثمغ، وكان به نخل، فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً، وهو عندي
نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بأصله، لا يباع ولا
يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمر. فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي
الرقاب، والمساكين، والضيف وابن السبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه أن
يأكل بالمعروف، أو يؤكل صديقه غير متمولٍ به[113]،
وفي رواية: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضاً
لم أصب مالاً قط. أنفس منه، كيف تأمرني به؟ قال:إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها،
فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء وذوي القربى،
والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها
بالمعروف، أويطعم صديقاً غير متموِّل فيه[114]،
فهذا الموقف العمري فيه فضيلة ظاهرة للفاروق رضي الله عنه ورغبته في المسارعة
للخيرات، وإيثاره الحياة الآخرة على الحياة الفانية.


10- هدية نبوية لعمر بن الخطاب وأخرى لابنه:


عن ابن
عمر قال: رأى عمر على رجل حلة من استبرق، فأتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك. قال: إنما يلبس
الحرير من لا خلاق له. فمضى من ذلك ما مضى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
إليه بحلة، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بعثت إلي بهذه،  وقد قلت في مثلها أو قال في حُلة عطارد[115]
ما قلت؟ قال: إنما بعثت إليك لتصيب بها مالاً[116]
وفي رواية: … فكساها عمر أخاً له بمكة قبل أن يسلم[117]،
وأما هدية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر، فعن عبد الله بن عمر قال: كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على بكر صعب[118]
لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم لعمر: بعنيه. قال: هو لك يا رسول الله قال: بعنيه: فباعه من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به
ما شئت[119].


11- تشجيعه لابنه وبشرى لابن مسعود:


عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشجر شجرة
لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدِّثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع
في نفسي أنّها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في
نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا[120].
وأما بشرى عمر لابن مسعود، فقد روى عمر رضي الله عنه أنه سمر في بيت أبي بكر مع
رسول الله في أمور المسلمين، فخرج رسول الله، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلِّي في
المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأه على
قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله يقول له: سَلْ تُعْطَهْ،
سَلْ تُعْطَهْ. قال عمر: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال فغدوت إليه لأبشره
فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني
إليه[121].


12- حذره من الابتداع:


عن
المسور بن مخرمة[122]،
وعبد الرحمن بن عبد القاريّ أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن
حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته،
فإذا هو يقرؤُها على حروف كثيرة، لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت
أُساوره[123]
في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلببته[124]،
فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقلت له: كذبت، فوالله إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه
السورة التي سمعتك فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت له: يا
رسول الله إني سمعت هذا يقرأ الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة
الفرقان، قال: يا هشام اقرَأها. فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله: هكذا
أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرات القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا
ما تيسر منه[125].


13- خذ ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا
سائل:


عن عبد
الله بن عمر قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قد كان رسول الله يعطيني العطاء فأقول
أعطه من هو أفقر مني حتى أعطاني مرة مالاً. فقلت: أعطه من هو أفقر مني. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه،
وما لا فلا تتبعه نفسك[126].


14- دعاء رسول الله لعمر رضي الله عنه:


 رأى
النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً وفي رواية قميصاً أبيض فقال: أجديد ثوبك أم
غسيل؟ فقال: بل غسيل، فقال: البس جديداً، وعش حميداً، ومُت شهيداً[127].


15- لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن
فيها:


عن
جابر بن عبد الله: أن أباه تُوُفِّي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهود،
فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له
إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له
فأبى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر: جُدَّ له،
فأوف له الذي له، فجده بعد ما رجع رسول الله فأوفاه ثلاثين وسقاً[128]،
وفضلت له سبعة عشر وسقاً، فجاء جابر رسول الله ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر،
فلما انصرف أخبره بالفضل، فقال: أخبر بذلك ابن الخطاب، فذهب جابر إلى عمر فأخبره
فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ليباركن فيها[129].


16- زواج حفصة بنت عمر رضي الله عنهما من رسول الله:


قال
عمر رضي الله عنه: حين تأيمت[130]
حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتوفي في المدينة، فقال عمر: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر، قال:
قلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبث لياليَ، ثم لقيني فقال: قد بدا
لي أن لا أتزوج قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر،
فصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إليَّ شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان بن
عفان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني

أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال عمر:
نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولو تركها رسول الله لقبلتها[131]
.


ثالثاً: موقف عمر رضي الله عنه من خلاف رسول الله مع
أزواجه:


عن ابن
عباس رضي الله عنه، قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتين قال الله تعالى:
} إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
{ التحريم: 4 حتى حجَّ عمر وحججت معه، فلما كنا
ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ،
فقلت، يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال
الله تعالى:
} إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
{؟ فقال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس: قال الزهري: كره، والله
ما
سأله عنه ولم يكتمه عنه – قال هي حفصة وعائشة. قال: ثم أخذ يسوق الحديث، قال: كنا
معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق
نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، قال:
فتغضبت[132]
يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك،
فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهنَّ اليوم إلى
الليل. قال: فانطلقت، فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قالت: نعم. قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من
فعل ذلك منكنَّ وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك،

ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك -
يريد
عائشة -: قال وكان لي جار من الأنصار، وكنّا نتناوب النّزول إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً، وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه
بمثل ذلك، قال: وكنا نتحدث أن غسّان تُنْعلُ الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً، ثم
أتاني عشاءً فضرب بابي، ثم ناداني فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم. فقلت: وماذا،
أجاءت غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول، طلق الرّسول نساءه. فقلت: قد خابت حفصة
وخسرت، قد كنت أظن هذا كائناً. حتى إذا صليت الصبح شددت  علي ثيابي، ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي،
فقلت أطلقكن رسول الله؟ فقالت: لا أدري، هو هذا معتزل في هذه المشربة: فأتيت غلاماً
له أسود، فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إليَّ، فقال: قد ذكرتُك له فصَمتَ،
فانطلقت حتى أتيت المنبر، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلاً، ثم غلبني
ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إليَّ، فقال: قد ذكرتك له
فصمت، فوليت مدبراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذن لك. فدخلت، فسلمت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه، فقلت:
أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلي وقال؟ لا. فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا
رسول الله، وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً
تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت على امرأتي يوماً فإذا هي
تراجعني، فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليُراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد خاب من فعل
ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، فدخلت على حفصة، فقلت: لا
يغرَّنك إن كانت جارتك هي أوسم وأحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم
أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال: نعم. فجلست، فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما
رأيت فيه شيئاً يرُدُّ البصرَ إلا أهبة[133]
ثلاثة، فقلت: ادع يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وُسِّع على فارس والروم، وهم
لا يعبدون الله. فاستوى جالساً، ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم
عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت: استغفر لي يا رسول الله. وكان أقسم أن

لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل[134].


هذا ما
تيسر جمعه وترتيبه من حياة الفاروق في المجتمع المدني ولقد نال عمر رضي الله عنه
أوسمة رفيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينت فضله ودينه وعلمه رضي الله عنه
وسنتحدث عنها بإذن الله.


رابعاً: شيء من فضائله ومناقبه:


إن
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر الصديق في الفضل فهو أفضل الناس على
الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين وأبي بكر وهذا ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته
رضي الله عنه وهو معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة[135]،
وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله عنه
ومنها:


1- إيمانه وعلمه ودينه:


فقد
جاء في منزلة إيمانه رضي الله عنه ما رواه عبد الله بن هشام أنه قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله، لأنت أحب
إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى
أكون أحبّ إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحبُّ إليّ من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر[136].
وأما علمه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا نائم شربت – يعني اللبن
– حتى أنظر إني الرّي يجري في ظفري أو في أظفاري، ثم ناولت عمر. فقالوا: فما أولته
قال العلم[137].
وجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سبباً للصلاح،
فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي وفي الحديث فضيلة – ومنقبة لعمر رضي
الله عنه – وإن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها وإن كانت رؤيا الأنبياء من
الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره.. والمراد بالعلم – في
الحديث – سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك
لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة
أبي بكر كانت قصيرة فلم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك
فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة
عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر في طواعية الخلق له
فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف عليُّ فما ازداد الأمر إلا
اختلافاً والفتن إلا انشاراً، وأما دينه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ
دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجتره. قالوا فما أولته
يا رسول الله؟ قال:
الدين[138].


التنقل السريع