القائمة الرئيسية

الصفحات

حياة عثمان بن عفان مع القرآن الكريم



كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان
وكل الصحابة الكرام هو القرآن الكريم، المنزل من عند رب العالمين، فهو المصدر
الوحيد للتلقي، فقد حرص الحبيب المصطفى على توحيد مصدر التلقي وتفرده، وأن يكون
القرآن الكريم وحده هو المنهج الذي يتربى عليه الفرد المسلم والأسرة المسلمة
والجماعة المسلمة، فكانت الآيات الكريمة التي سمعها عثمان
t من رسول الله ×
مباشرة لها أثرها في صياغة شخصية ذي النورين الإسلامية؛ فقد طهرت قلبه، وزكت نفسه،
وتفاعلت معها روحه؛ فتحول إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته.(


وقد تعلق عثمان t
بالقرآن الكريم، وحدثنا أبو عبد الرحمن السلمي كيف تعلمه من رسول الله
×، وله أقوال تدل على حبه الشديد للعيش مع كتاب الله
تعالى؛ فعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن -كعثمان
بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي
× عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم
والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ
السورة,
وذلك أن الله تعالى قال:
+كِتَابٌ
أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الألْبَابِ
" [ص: 29] وقد
روى عثمان
t
عن رسول الله
× قوله: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». (
وقد عرض القرآن الكريم كاملا على رسول الله
×
قبل وفاته. ومن أشهر تلاميذ عثمان في تعلم القرآن الكريم أبو عبد الرحمن السلمي،
والمغيرة بن أبي شهاب وأبو الأسود، وزر بن حبيش.)
وقد حفظ لنا التاريخ بعض أقوال عثمان
t
في القرآن الكريم حيث قال: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل.
وقال: إني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله)
(يعني المصحف). وقال: حُبب إليَّ من الدنيا ثلاث: إشباع الجيعان، وكسوة العريان،
وتلاوة القرآن.
وقال: أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة: مخالطة الصالحين فضيلة والاقتداء بهم
فريضة، وتلاوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة، وزيارة القبور فضيلة والاستعداد
للموت فريضة، وعيادة المريض فضيلة واتخاذ الوصية منه فريضة.
وقال
t:
أضيع الأشياء عشرة: عالم لا يُسْأل عنه، وعلم لا يعمل به، ورأي صواب لا يقبل،
وسلاح لا يستعمل، ومسجد لا يصلى فيه، ومصحف لا يقرأ فيه، ومال لا ينفق منه، وخيل
لا تُرْكب، وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا، وعمر طويل لا يتزود صاحبه فيه لسفره.
وكان


حجره لا يكاد يفارق المصحف، فقيل له في ذلك فقال:
إنه مبارك جاء به مبارك.
وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم)
النظر فيه. وقالت امرأة عثمان يوم الدار: اقتلوه أو دعوه، فوالله لقد كان يحيي
الليل بالقرآن في ركعة,
وقد ذكر عنه أنه قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها(,
وقد تحقق فيه قول الله تعالى:
+أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ
آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا






يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الألْبَابِ
" [الزمر:
9]
.


لقد تشرب عثمان t بالمنهج
القرآني وتتلمذ على يدي رسول الله
× وعرف من خلال القرآن الكريم من هو الإله الذي يجب أن يعبده،
وكان النبي
× يغرس في نفسه معاني تلك الآيات العظيمة، فقد حرص × أن يربي أصحابه
على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم، مدركا أن هذا التصور سيورث التصديق
واليقين عندما تصفى النفوس وتستقيم الفطرة، فأصبحت نظرة ذي النورين إلى الله عز
وجل، والكون والحياة والجنة والنار، والقضاء والقدر، وحقيقة الإنسان، وصراعه مع
الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي
×.


فالله -سبحانه وتعالى- منزه عن النقائص، موصوف
بالكمالات التي لا تتناهى، فهو سبحانه (واحد لا شريك له، ولم يتخذ صاحبة ولا
ولدا). وأنه سبحانه حدد مضمون هذه العبودية وهذا التوحيد في القرآن الكريم،
وأما نظرته للكون فقد استمدها من قول الله تعالى:
+قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ
` وَجَعَلَ فِيهَا
رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ
` ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى
السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ
كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
` فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
" [فصلت: 9- 12]. وأما
هذه الحياة مهما طالت فهي إلى زوال وأن متاعها مهما عظم فإنه قليل حقير، قال
تعالى:
+إِنَّمَا مَثَلُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ
نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ
الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا
كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ
" [يونس:
24].


وأما نظرته إلى الجنة، فقد استمدها من خلال الآيات
الكريمة، فأصبح هذا التصور رادعًا في حياته عن أي انحراف عن شريعة الله، فيرى
المتتبع لسيرة ذي النورين عمق استيعابه لفقه القدوم على الله عز وجل، وشدة خوفه من
عذاب الله وعقابه، وسنرى ذلك في صفحات هذا البحث بإذن الله تعالى.








وأما مفهوم القضاء والقدر فقد استمده من كتاب الله
وتعليم رسول الله
× له، فقد
رسخ مفهوم القضاء والقدر في قلبه، واستوعب مراتبه في كتاب الله تعالى، فكان على
يقين بأن علم الله محيط بكل شيء:
+وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ
وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا
عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن
مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ
وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
" [يونس: 61].


وأن الله تعالى قد كتب كل شيء كائن: +إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا
وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ
" [يس: 12]. وأن مشيئة الله نافذة وقدرته تامة: +أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ
لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا
قَدِيرًا
" [فاطر:
44].
وأن الله
خالق لكل شيء
+ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ
" [الأنعام:
102].


وقد ترتب على الفهم الصحيح والاعتقاد الراسخ في قلبه
لحقيقة القضاء والقدر ثمار نافعة ومفيدة، ظهرت في حياته، وسنراها -بإذن الله
تعالى- في هذا الكتاب. وعرف من خلال القرآن الكريم حقيقة نفسه وبني الإنسان, وأن
حقيقة خلقه ترجع إلى أصلين: الأصل البعيد وهو الخلقة الأولى من طين، حين سواه ونفخ
فيه الروح، والأصل القريب وهو خلقه من نطفة، قال تعالى:
+الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ
مِن طِينٍ
` ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ
مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ
` ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ
فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ
قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
"
[السجدة: 7- 9].


وعرف أن هذا الإنسان خلقه الله بيده وأكرمه بالصورة
الحسنة والقامة المعتدلة، ومنحه العقل والنطق والتمييز، وسخر له ما في السموات
والأرض وفضله على كثير من خلقه، وكرمه بإرسال الرسل له. وإن من أروع مظاهر تكريم
المولى -عز وجل- للإنسان أن جعله أهلا لحبه ورضاه، ويكون ذلك باتباع النبي
× الذي دعا الناس إلى الإسلام لكي يحيوا حياة طيبة في
الدنيا ويظفروا بالنعيم المقيم في الآخرة، قال تعالى:
+مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
"
[النحل: 97].


وعرف عثمان t من خلال القرآن الكريم حقيقة الصراع بين الإنسان والشيطان، وأن
هذا العدو يأتي للإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يوسوس له
بالمعصية ويستثير فيه كوامن الشهوات، فكان مستعينا بالله على عدوه إبليس وانتصر
عليه في حياته، وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن الكريم أن آدم هو أصل
البشر، وجوهر الإسلام الطاعة المطلقة لله، وأن الإنسان له قابلية للوقوع في
الخطيئة, وتعلم من خطيئة آدم ضرورة توكل المسلم على ربه وأهمية التوبة والاستغفار
في حياة المؤمن، وضرورة الاحتراز من الحسد والكبر، وأهمية التخاطب بأحسن الكلام مع
الصحابة؛ لقول الله تعالى:
+وَقُل لِّعِبَادِي
يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا
" [الإسراء: 53].








لقد أكرم المولى -عز وجل- عثمان بن عفان t بالإسلام، فعاش به وجاهد به
من أجل نشره، واستمد أصوله وفروعه من كتاب الله وهدي النبي
×، وأصبح من أئمة الهدى الذين يرسمون للناس خط سيرهم
ويتأسى الناس بأقوالهم وأفعالهم في هذه الحياة، ولا ننسى أن عثمان بن عفان كان من
كُتَّاب الوحي لرسول الله
×


* * *








ملازمته للنبي × في المدينة


إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان t وصقل مواهبه وفجر طاقته، وهذب
نفسه هو مصاحبته لرسول الله
×
وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة، ذلك أن عثمان
t لازم الرسول ×
في مكة بعد إسلامه كما لازمه في المدينة بعد هجرته؛ فقد نظم عثمان نفسه, وحرص على
التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم
البشرية وهاديها الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، فحرص على تعلم القرآن الكريم والسنة
المطهرة من سيد الخلق أجمعين.


وهذا عثمان يحدثنا عن ملازمته لرسول الله × فيقول: إن الله -عز وجل- بعث محمدا بالحق وأنزل
عليه الكتاب، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن، فهاجرت الهجرتين الأوليين، ونلت
صهر رسول الله، ورأيت هديه.()
لقد تربى عثمان
t على المنهج القرآني، وكان
المربي له رسول الله
×، وكانت
نقطة البدء في تربية عثمان هي لقاءه برسول الله
×، فحدث له تحول غريب واهتداء مفاجئ بمجرد اتصاله
بالنبي
×، فخرج من
دائرة الظلام إلى دائرة النور، واكتسب الإيمان وطرح الكفر، وقوى على تحمل الشدائد
والمصائب في سبيل الإسلام وعقيدته السمحة. كانت شخصية رسول الله
× تملك قوى الجذب والتأثير على الآخرين، فقد صنعه
الله على عينه، وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الأرض، والعظمة دائما تحب وتحاط من
الناس بالإعجاب، ويلتف حولها المعجبون ويلتصقون بها التصاقا بدافع الإعجاب والحب،
ولكن رسول الله
× يضيف إلى
عظمته تلك أنه رسول الله
×
متلقي الوحي من الله، ومبلغه إلى الناس، وذلك بُعْد آخر له أثره في تكييف مشاعر
ذلك المؤمن تجاهه، فهو لا يحبه لذاته فقط كما يحب العظماء من الناس، ولكن أيضا
لتلك النفخة الربانية التي تشمله من عند الله، فهو معه في حضرة الوحي الإلهي
المكرم، ومن ثم يلتقي في شخص الرسول
×
البشر العظيم والرسول العظيم، ثم يصبحان شيئا واحدا في النهاية، غير متميز البداية
ولا النهاية، حب عميق شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول، ويرتبط حب الله بحب
رسوله
×, ويمتزجان
في نفسه فيصبحان في مشاعره هما نقطة ارتكاز المشاعر كلها، ومحور الحركة الشعورية
والسلوكية كلها كذلك.


كان هذا الحب الذي حرك الرعيل
الأول من الصحابة هو مفتاح التربية الإسلامية ونقطة ارتكازها ومنطقها الذي تنطلق
منه.)
لقد حصل لعثمان
t وللصحابة
ببركة صحبتهم لرسول الله
× وتربيتهم على يديه أحوال إيمانية عالية، ولقد تتلمذ عثمان t على يدي
رسول الله، فتعلم منه القرآن الكريم والسنة النبوية، وأحكام التلاوة وتزكية
النفوس، قال تعالى:
+قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
"
[آل عمران: 64].

وحرص على التبحر في الهدي النبوي الكريم خلال
ملازمته رسول الله
× في






غزواته وسِلْمه، وقد أمدته تلك المعايشة بخبرة ودربة
ودراية بشئون الحرب ومعرفة بطبائع النفوس وغرائزها، وفي الصفحات القادمة سنبين
-بإذن الله تعالى- مواقفه في الميادين الجهادية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية
مع رسول الله
× في العهد
المدني.


أولاً: عثمان t في ميادين الجهاد مع رسول
الله
×:


شرع رسول الله × بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم الدولة
الإسلامية، فآخى بين المهاجرين والأنصار، فكل مهاجري يتخذ أخًا له من الأنصار،
فكان نصيب عثمان بن عفان في المؤاخاة أوس بن ثابت،)
ثم أقام النبي
× المسجد،
وأبرم المعاهدة مع اليهود، وبدأت حركة السرايا، واهتم بالبناء الاقتصادي والتعليمي
والتربوي في المجتمع الجديد. وكان عثمان
t من أعمدة الدولة الإسلامية، فلم يبخل بمشورة أو مال أو رأي، وشهد
المشاهد كلها إلا غزوة بدر


1- عثمان وغزوة بدر:


لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان السيدة
رقية بنت رسول الله
× مريضة
بمرض الحصبة ولزمت الفراش، في الوقت الذي دعا فيه رسول الله
× للخروج لملاقاة القافلة، وسارع عثمان t للخروج مع رسول الله ×، إلا انه تلقى أمرًا بالبقاء إلى جانب رقية -رضي
الله عنها- لتمريضها، وامتثل لهذا الأمر بنفس راضية وبقي إلى جوار زوجته الصابرة
الطاهرة رقية ابنة رسول الله
×
إذ اشتد بها المرض، وطاف بها شبح الموت، كانت رقية -رضي الله عنها- تجود بأنفاسها
وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج إلى بدر، ورؤية أختها زينب في مكة، وجعل عثمان
t يرنو إليها من خلال دموعه،
والحزن يعتصر قلبه),
ودعت نبض الحياة وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولحقت بالرفيق
الأعلى، ولم ترَ أباها رسول الله
×؛
حيث كان ببدر مع أصحابه الكرام، يعلون كلمة الله، فلم يشهد دفنها
×, وجهزت رقية ثم حمل جثمانها الطاهر على الأعناق،
وقد سار خلفه زوجها وهو حزين، حتى إذا بلغت الجنازة البقيع، دفنت رقية هناك، وقد
انهمرت دموع المشيعين، وسوى التراب على قبر رقية بنت رسول الله
×. وفيما هم عائدون إذ بزيد ابن حارثة قد أقبل على
ناقة رسول الله
× يبشر
بسلامة رسول الله
× وقتل
المشركين وأسر أبطالهم، وتلقى المسلمون في المدينة هذه الأنباء بوجوه مستبشرة بنصر
الله لعباده المؤمنين، وكان من بين المستبشرين وجه عثمان الذي لم يستطع أن يخفي
آلامه لفقده رقية رضي الله عنها. وبعد عودة الرسول
× علم بوفاة رقية -رضي الله عنها- فخرج إلى البقيع
ووقف على قبر ابنته يدعو لها بالغفران

لم يكن عثمان بن عفان t ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه أو هروب ينشده كما يزعم أصحاب
الأهواء ممن طعن عليه بتغيبه عن بدر، فهو لم يقصد مخالفة الرسول
×؛ لأن الفضل الذي حازه
أهل بدر في شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته، وعثمان
t خرج فيمن خرج مع رسول الله فردَّه × للقيام على ابنته، فكان في أجَلِّ فرض لطاعته
لرسول الله وتخليفه، وقد







ضرب له بسهمه وأجره فشاركهم في
الغنيمة والفضل والأجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما.()
فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني
سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر
فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله
فمرضت، فقال له رسول الله
×: «لك أجر رجل شهد
بدرا وسهمه».
) وعن أبي وائل، عن عثمان بن عفان t أنه قال:
أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله
×، وقد ضرب رسول
الله
× لي فيها بسهم. وقال زائدة في حديثه: ومن ضرب له رسول الله × فيها بسهم فقد
شهد.)
وقد عُد عثمان
t من
البدريين بالاتفاق.


2- عثمان وغزوة أحد:


في غزوة أحد منح الله -عز وجل- النصر للمسلمين في
أول المعركة، وأخذت سيوف المسلمين تعمل عملها في رقاب المشركين، وكانت الهزيمة لا
شك فيها، وقتل أصحاب لواء المشركين واحدا واحدا، ولم يقدر أحد أن يدنو من اللواء،
وانهزم المشركون، وولولت النسوة بعد أن كن يغنين بحماس ويضربن بالدفوف، فألقين
بالدفوف وانصرفن مذعورات إلى الجبل كاشفات سيقانهن، ولكن مال ميزان المعركة فجأة،
وكان سبب ذلك أن الرماة الذين أوكل إليهم النبي
× مكانا على سفح الجبل لا يغادرونه مهما كانت نتيجة
المعركة قد تخلوا إلا قليلا عن أماكنهم، ونزلوا إلى الساحة يطلبون الغنائم لما
نظروا المسلمين يجمعونها، وانتهز خالد بن الوليد قائد سلاح الفرسان القرشي فرصة
خلو الجبل من الرماة، وقلة من به منهم فكرَّ بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل، فقتلوا
بقية الرماة ومعهم أميرهم عبد الله بن جبير
t الذي ثبت هو وطائفة قليلة معه, وفي غفلة المسلمين، وأثناء
انشغالهم بالغنائم أطبق خالد ومن معه عليهم، فأعملوا فيهم القتل، فاضطرب أمر
المسلمين اضطرابا شديدا، وانهزمت طائفة من المسلمين إلى قرب المدينة منهم عثمان بن
عفان ولم يرجعوا حتى انفض القتال، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي
× قد قتل، وفرقة ثبتت مع النبي ×، أما الفرقة التي انهزمت وفرت فلقد أنزل الله فيها
قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى:
+إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ
عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
" [آل عمران: 155] غير
أن أصحاب الأهواء لا يرون إلا ما تهوى أنفسهم، فلم يروا من المتراجعين إلا عثمان
t، فكانوا يتهمونه دون سائر
المتراجعين من الصحابة، وهل يبقى وحده؟ ولو فعل لخاطر بنفسه),
وبعد أن عفا الله عن المتراجعين فالحكم واضح جليّ، لا لبس فيه ولا غموض، فلا
مؤاخذة بعد ذلك على عثمان بن عفان([
t, فيكفي أن الله عفا عنه بنص
القرآن الكريم، وحياته الجهادية بمجموعها تشهد له على شجاعته. 


وغزوات اخري كثيرة ومواقفه راضي الله عنه معروفه








التنقل السريع